القمة الأفريقية وفلسطين- توازن دقيق بين إدانة إسرائيل ودعم حل الدولتين

المؤلف: د. بدر حسن شافعي11.15.2025
القمة الأفريقية وفلسطين- توازن دقيق بين إدانة إسرائيل ودعم حل الدولتين

على الرغم من أن القمة الأفريقية السابعة والثلاثين المنعقدة في أديس أبابا، العاصمة الإثيوبية، في الفترة من 17 إلى 18 فبراير/شباط، رفعت شعار "تعليم أفريقي ملائم للقرن الحادي والعشرين"، إلا أنها لم تتجاهل العديد من المسائل الملتهبة في العلاقات الدولية، وبخاصة الوضع في الشرق الأوسط، وما خلفه العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.

وإذا كانت القضية الفلسطينية تمثل بندًا راسخًا "ودوريًا" في اجتماعات القمم السابقة، فقد حظيت بزخم إضافي في البيان الختامي الصادر عن القمة الأخيرة، والذي تجلى تأثره بالموقف الأفريقي المشرف الذي تجسد في مبادرة جنوب أفريقيا قبل شهرين من انعقاد القمة، عندما رفعت دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية ضد سكان غزة.

وعليه، لم يكن مستغربًا أن يخرج البيان بلهجة قوية وحازمة، وإن افتقر إلى خطوات عملية ملموسة على أرض الواقع، إذ طالب بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي، وشدد على ضرورة إيصال المساعدات العاجلة إلى غزة، ورفض أي مسعى للتهجير القسري، مع المطالبة بإنهاء الاحتلال "الاستعماري" الذي شكل أحد المبادئ الجوهرية في القانون التأسيسي لمنظمة الوحدة الأفريقية، والاتحاد الأفريقي من بعدها، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

لقد تبنى الأفارقة مقاربة متوازنة تجاه القضية الفلسطينية، ترتكز على فكرة التعامل مع جميع الأطراف المعنية: "إسرائيل، وفلسطين ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية"، مع التشديد على تعزيز حل الدولتين.

عضوية إسرائيل في الاتحاد بين الإرجاء والإنهاء

في ظل التوترات الراهنة والأحداث المأساوية في غزة، أحجم الاتحاد الأفريقي عن الموافقة على منح إسرائيل صفة مراقب في هذه القمة. وقد حرصت المفوضية الأفريقية على التأكيد على أنها لم توجه دعوة لإسرائيل لحضور المؤتمر، كما أن الوفد الإسرائيلي الذي وصل إلى أديس أبابا، بالإضافة إلى سفيرها لدى إثيوبيا، لم يُسمح لهم بالدخول؛ خشية حدوث المزيد من الاضطرابات والارتباك، نظرًا لحالة الغضب الأفريقي المتصاعد تجاه تل أبيب بسبب الأحداث المأساوية في غزة.

وبالرغم من تصريح مسؤول رفيع المستوى في الاتحاد بأن ملف إسرائيل قد أُغلق، يرى البعض الآخر -بما في ذلك كاتب هذه السطور- أن المسألة قد أُرجئت، ولم يتم إغلاقها بشكل نهائي؛ نظرًا للخلافات المستمرة بين الدول الأعضاء حول هذا الموضوع.

هذا التباين يعود إلى حقيقة أن 48 دولة من أصل 54 دولة أفريقية تربطها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، سواء على مستوى السفارات أو القنصليات، مما يعني أن ما يقرب من 90% من هذه الدول تقيم علاقات كاملة مع تل أبيب على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والتجارية والثقافية، وهو ما يشير بوضوح إلى أن إسرائيل تحظى بقبول واسع في "أفريقيا".

وربما هذا ما دفع رئيس المفوضية موسى فكي، الذي وافق على منح إسرائيل هذه الصفة في عام 2021، إلى طرح هذا التساؤل خلال إحاطته أمام اجتماع رؤساء الدول والحكومات في فبراير/شباط 2022، حيث اتهم بعض الدول التي ترفض منح إسرائيل هذه الصفة بازدواجية المعايير، مشيرًا إلى أن الأغلبية -من وجهة نظره- تدعم إقامة علاقات ثنائية معها، فلماذا يعارض هؤلاء منحها صفة المراقب، في حين أن الالتزامات المترتبة عليها أقل بكثير من تلك المتعلقة بالتطبيع الدبلوماسي الثنائي؟!

هذا التضارب في الآراء قد ساهم في عدم صدور قرار واضح بشأن هذا الموضوع، سواء في هذه القمة أو في القمم السابقة، وهو ما يؤكد أن المسألة قد أُرجئت، ولم يتم حسمها بشكل نهائي. وقد ينتظر البعض الفرصة المناسبة لإعادة طرحها من جديد، كما أن تل أبيب لن تدخر جهدًا بعد انتهاء الحرب على غزة في حث بعض الدول "الصديقة" على إعادة إثارة هذا الموضوع من جديد.

التوازن الأفريقي بين إسرائيل وفلسطين

منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، استعادت العلاقات الأفريقية مع إسرائيل مسارها الطبيعي، وشهدنا سباقًا أفريقيًا حثيثًا نحو استعادة هذه العلاقات. وتبنى الأفارقة نهجًا متوازنًا في التعامل مع القضية الفلسطينية، يقوم على فكرة التواصل مع الطرفين: "إسرائيل، وفلسطين ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية"، مع التشجيع الدائم على حل الدولتين.

لذا، فإن معظم الدول الأفريقية التي تدين إسرائيل، وتطالب في الوقت نفسه بإقامة الدولة الفلسطينية، ترى أن هذه الدولة -من وجهة نظرها- لن تكون على حساب علاقتها بتل أبيب؛ وذلك تحقيقًا لمصالحها الذاتية من جهة، ولأن هذا التطبيع، من وجهة نظرها، قد يسهم في "الضغط" على إسرائيل من أجل إقامة الدولة الفلسطينية.

في المقابل، يربط البعض الآخر الرافض للتطبيع، سواء على الصعيد العربي أو الأفريقي، بين التطبيع وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية أولًا.

وقد يفسر هذا السلوك التصويتي للدول الأفريقية في المحافل الدولية؛ فعلى الرغم من تطبيع ما يقرب من 90% من الدول الأفريقية مع إسرائيل، فإن أكثر من 90% من هذه الدول أيدت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة A/RES/78/170 الصادر في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بشأن سيادة فلسطين على أراضيها، كما أن العديد من الدول المطبعة صوتت ضد إدانة حماس في الأمم المتحدة على خلفية عملية "طوفان الأقصى"، ومن بين هذه الدول: "أفريقيا الوسطى، الكونغو، غامبيا، غينيا، زيمبابوي، السنغال".

من يمثل فلسطين؟

إذا كان الموقف الأفريقي يرتكز على مبدأ التوازن في النظر إلى العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، إلا أنه على الصعيد الفلسطيني الداخلي يعترف بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، وهو ما تؤكده القرارات الصادرة عن القمم الأفريقية السابقة.

فالقمة الأفريقية قبل الماضية "عام 2023" أكدت على سبيل المثال دعمها "الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله العادل ضد الاحتلال الإسرائيلي، ممثلًا بمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، من أجل استعادة حقوقه غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حق تقرير المصير، وعودة اللاجئين، والاستقلال في دولة فلسطين ذات السيادة، القائمة جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل".

صحيح أن الأفارقة يعترفون بحركات التحرر الوطني المناهضة للاستعمار، وقد رفضت بعض الدول الأفريقية التصويت ضد إدانة حماس في الأمم المتحدة، إلا أن الدعوات الرسمية الأفريقية تظل موجهة إلى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، ولم يتم توجيه أية دعوة لممثلي حماس لحضور هذه القمة أو غيرها، على الرغم من أنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني، وهم الذين يقودون معركة التحرير للتخلص من الاحتلال "الاستعماري".

ويبدو أن طرح مثل هذه الفكرة قد يتعارض مع رغبة بعض الدول العربية والأفريقية في عدم إثارة غضب إسرائيل، أو حتى واشنطن التي تتهم الحركة بالإرهاب.

ومن هنا، يظل الموقف الأفريقي "الرسمي" في هذه الجزئية، متباينًا مع الموقف "الشعبي"، الذي يرى أن المنظمة والسلطة الفلسطينية قد تجاوزتهما الأحداث، وأن حماس أصبحت في صدارة المشهد، ولا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة